تقديم:
أدت الظاهرة المناخية الناتجة عن التدخلات والأنشطة البشرية الكثيفة، إلى تغيرات جذرية مست التوازنات البيئية الطبيعية والبشرية على مستوى العالم. والمغرب إلى جانب الدول المتضررة، يعاني من هذا العبئ المناخي، حيث عرف المغرب في السنوات الأخيرة قلة هطول الأمطار مع ارتفاع الدرجات الحرارية بنسبة كبيرة وتدهور باقي موارده الطبيعية. ونهدف من خلال هذا المقال ابراز مدى تأثير التغيرات المناخية على النشاط الصناعي والفلاحي بالمغرب وسنحاول الإجابة عن التساؤلات التالية: ما هي البدائل والمقترحات التي تفرضها الظروف الآنية لمواجهة الظاهرة المناخية بالمملكة، كظاهرة اجتماعية؟
كما سنحاول اعطاء تعريف للكلمات المفاتيح: التغيرات المناخية – الموارد الطبيعية.
1– تعريف التغيرات المناخية:
يمكن تعريف التغيرات المناخية على أنه اضطراب في مناخ الارض مع ارتفاع في الدرجات الحرارية لكوكب الأرض، والتدهور المستمر للغطاء النباتي. ويعود هذا حسب مجموعة من الدراسات الى جملة من العوامل أبرزها النشاط الصناعي وما يخلفه من غازات صناعية غير طبيعية تضاف الى غازات السقيفة الطبيعية، ويتجلى دور هاته الغازات في تقليل من الاشعاع الشمسي الذي يصل الى سطح الارض وكذا منعه من الخروج كاملا عبر الغلاف الجوي لأن الأرض تحتفظ بطاقة حرارية تقدر ب 15 درجة، أما في اطار المناخ الجديد اصبح الاشعاع الذي يدخل أكبر من الذي يخرج، وعليه ارتفعت درجة حرارة الأرض. وفي هذا الصدد تُشير دراسات إلى أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ 350 جزيئا في اللتر بنهاية القرن العشرين، في حين ظلت خلال مائة ألف سنة من تاريخ الأرض تتراوح بين 200 و280 جزئيا في اللتر، كما أن تركيز غازات أخرى مثل الميتان تضاعف هو الآخر حين قياسه في الفترة نفسها.
2- تعريف الموارد الطبيعية:
يُمكن تعريف الموارد الطبيعية (بالإنجليزية: Natural resources) بأنَّها مصادر مواد خام، تتواجد في الأنظمة البيئية على الأرض، وتحدث بصورة طبيعية دون أي تدخلات بشرية، وتُستخدم هذه الموارد بعد تعديلها بهدف الاستفادة منها في حياتنا اليومية، ويمكن الحصول على الفائدة من هذه الموارد عندما تتوفَّر الظروف التكنولوجية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو تزويد الإمدادات اللازمة من الأرض.
وتتضمّن هذه الموارد: الأراضي، مصادر المياه، مصايد الأسماك، الموارد المعدنية، الموارد البحرية، الغابات، الأمطار، المناخ والتضاريس.
3-علاقة التغيرات المناخية بالموارد الطبيعية:
ان تغير مناخ ليس مشكلة بيئية عالمية، بل قضية إقليمية ومحلية، تثير قلقا بيئيا كبير، مع وجود تفاوتات على مستوى حدته، حسب طبيعة وجغرافية كل منطقة، وتعد منطقة شمال أفريقيا بشكل عام، من المناطق المعرضة بشدة لهذه التغيرات ومن المتوقع أن تشهد ارتفاع في درجة الحرارة وانخفاض اكبر في تساقط كمية الأمطار . والمغرب بدوره يعد من الدول التي ستعرف تغيرات مناخية حادة، في ظل مناخ يتميز بشكل رئيسي بصيف حار، جاف، وشتاء معتدل على الشريط الساحلي. وقد عان في تاريخه من ظروف مناخية قاسية في فترات متباينة. من مناخ أكثر جفافا وحرارة إلى المزيد من التباينات الأخرى (مناخ قاحل ومتنوع، أمطار غير منتظمة).
اعتمادا على الدراسات الإحصائية التي نشرت في “كتاب التنمية المستدامة ومواجهة تلوث البيئة وتغير المناخ للكاتب ساجد أحم طبعة 2020 ” حول التغيرات المناخية بالمغرب، تبين أنها أثرت بشكل واضح خلال العقود الأخيرة على الموارد الطبيعية، خاصة على مستوى تراجع الفرشة المائية، حيث انخفضت نسبة نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة إلى 60 % منذ سنة 1960 نتيجة الزيادة في التحضر والنمو السكاني المتزايد، والتنمية الصناعية والاقتصادية عامة، كما أثرت هذه التغيرات على القطاع الزراعي وأدت إلى انخفاض في غلة المحاصيل الرئيسية وزيادة تقلب الانتاج الزراعي. ووفقاً للتوقعات المستقبلية في المغرب، هناك توقع معقول بزيادة درجات الحرارة الإنتاج وانخفاض الأمطار وزيادة تقلبها، ويمكن أن يزيد متوسط درجة الحرارة من 1,1 درجة مئوية إلى 1,6 بحلول عام 2030، كما يمكن أن تنخفض كمية الأمطار بنسبة 14% خلال سنة 2030. وبسبب التباين الكبير في نسبة تساقط الأمطار الذي قدر ب 75 % من الناتج المحلي الإجمالي، تواترت حالات الجفاف بشكل كبير، وقد أدى جفاف سنة 2005 إلى خفض الإنتاج الوطني من الحبوب إلى النصف، وسيزيد التغير المناخي من احتمالية وجود محاصيل فقيرة أو معدومة في العديد من المناطق بالمغرب حيث لا يوجد الري الكافي للتخفيف من الظروف المناخية السيئة.
من الحقائق الراسخة التي توصلت إليها مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية، أن التغيرات المناخ لها تأثيرات كبيرة على الموارد البشرية والطبيعية، وقد تستمر هذه التغيرات لساعات وأيام، كما يمكنها أن تعمر لسنوات ولعقود طويلة، حسب درجة الضرر الذي يلحقه الإنسان بالمنظومة البيئية، وقد ظهر هذا التأثر بشكل جلي في القطاعات الأولية مثل الموارد الحيوية ، والزراعية ، والمائية. وسيكون الأمر أكثر سلبية في السنوات القادمة، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية ، الاجتماعية، والبيئية.
خلاصة:
وختاما تعد الظاهرة المناخية ظاهرة اجتماعية عالمية لها تأثيرات فادحة على النظام البيئي، وخاصة الموارد الطبيعية المحدودة، فهي اليوم تحتاج إلى نهج متعدد التخصصات مع التركيز على استخدام أدوات وأساليب العلوم الإنسانية، والاجتماعية بطريقة صارمة ومنهجية، بعدما فشلت جلا الاستراتيجيات، والمقاربات الأحادية، والتقنية، والقانونية، في الحد من الإنبعاثات الغازية، والتخفيف من تأثيرها على النظم البشرية، والطبيعية، خاصة أن كل المؤشرات الإحصائية تتجه خطيا نحو تسجيل أعلى مستويات التدمير.
فرغم كل الخطط ، والدراسات ، والقوانين والأوراش ، والملتقيات التي نظمت وهيئت لمعالجة الظاهرة المناخية بالمغرب تبقى قليلة مقارنة مع التطور التكنولوجي والبيئي العالمي ، وجب البحث عن بدائل وحلول أكثر نجاعة وقوة .