اشتهر المغاربة قديما وحديثا بتأليف تصانيف حول الرحلات التي يقومون بها إلى مختلف أصقاع العالم بما في ذلك الرحلات الخاصة بأداء مناسك الحج.
ويكتسي توثيق رحلة الحج بين دفتي كتاب خصوصية فريدة تتجاوز توثيق الرحلات العادية إلى مناطق أخرى من العالم. هذه الخصوصية تتجلى في أن رحلة الحج لها بعد ديني وروحي، فهي ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا. وتدوين الرحلة يعني كتابة المشاعر والأحاسيس الروحية والخواطر الإيمانية التي ذاقها الرحالة في سفره المقدس، أي إنها في الغالب رحلة واقعية، تبتعد عن الخيال، وتروم الوصف الدقيق.
وإذا كان السفر في العادة قطعة من العذاب، فإنه في حالة الرحلة إلى الحج دواء من كل الأسقام، حيث تؤدي الأحاسيس الروحية غير المألوفة التي يتذوقها الحاج أثناء سفره المقدس، إلى انتعاش روحه وإحساسه بالخفة والنشاط والراحة والأمان في رحاب بيت الله وأثناء أداء المناسك. كما أن الهدف من كتابة هذه الرحلة يختلف عن باقي الرحلات، من حيث إن غايته تشويق القارئ للحج وبيان المناسك ومعرفة الأماكن في مكة والمدينة المنورة، وخاصة في الأزمنة السابقة عندما كانت الرحلة تتم مشيا على الأقدام أو على الراحلة من الإبل أو الخيل، فكان المسافر في حاجة إلى دليل مرشد، ولم يكن ذلك الدليل في كثير من الأحيان إلا رحلات مدونة كتبها أدباء سافروا إلى الحج.
وبهذا المعنى، فرحلة الحج وثيقة تاريخية واجتماعية، وكاتبها يعد شاهدا على العصر. إن كل هذه الخصوصيات تجعل من توثيق رحلة الحج بين دفتي كتاب تجربة أدبية وروحية غنية ومتفردة، تدمج بين البعد الشخصي والتاريخي والديني والاجتماعي، مما يقدم للقارئ صورة متكاملة ومؤثرة عن هذه الرحلة المقدس
يعتبر المغاربة من أكثر الشعوب تدوينا لرحلات الحج قديما وحديثا، وذلك لعدة أسباب منها بعد الديار المغربية عن الشرق، وولوعهم بالسياحة والتغرب في طلب العلم ولقاء المشايخ، ومرافقة الكتاب للملوك ولرجال الدولة في أسفار رسمية، فضلا عن الطابع الروحي لرحلة الحج وما فيها من أشواق، فيكتبون الرحلة لتخليد هذا الحدث الذي لا يتكرر في العمر أكثر من مرة.
ومن أبرز النصوص الرحلية التي كتبها المغاربة هناك رحلة أبي سالم العياشي المعنونة “ماء الموائد” التي تعد من أهم النصوص في الرحلات الحجازية حيث يعتبرها معظم الباحثين وثيقة لا تقدر بثمن في دراسة الحركة الفكرية والروحية بالمغرب والعالم العربي.
ومن الرحلات الحجازية المشهورة في المغرب رحلة العبدري الحاحي، أحد علماء المغرب في القرن السابع الهجري، التي وصف فيها البلاد التي قطعها برا من المغرب الأقصى إلى البلاد الحجازية، والقدس، والخليل.
وتكمن أهميتها في كونها تمثل وثيقة تاريخية حول الحياة الفكرية والاجتماعية في أواخر القرن السابع الهجري في البلاد التي مر بها صاحبها. وقد جرد المؤرخ المغربي الراحل عبد الهادي التازي، مئة رحلة مغربية إلى الحج. وهو نفسه كتب رحلته للحج ونشرها عام 1990.
بمعنى أن الرحلات الحجازية المغربية لم تنقطع فهي إلى اليوم مستمرة. فعلى الرغم من تطور وسائل السفر وتقنيات التواصل وأساليب توثيق الرحلات، يبقى للرحلة المدونة عشقها الخاص وسحرها الفريد.
عكست هذه التصانيف اهتماما كبيرا للمغاربة بركن الحج، حيث لم تمنعهم المسافة الطويلة بين المغرب والحجاز، من التعلق الشديد بمهبط الوحي، فكان جل من يقصد البلاد الحجازية من الأدباء والعلماء لأداء فريضة الحج، يشعر بوجوب إطلاع مواطنيه على أخبار تلك البقاع الشريفة البعيدة التي يحن إليها كل مغربي لما يربطه بها من روابط الدين واللغة والدم.
وسواء كان هذا الإخبار شفهيا أو كتابة، فهو يروم نفع الغير بتقريب المسالك والمناسك من المتشوف للحج أو المتشوق للزيارة، ولفت الانتباه إلى فضائل الحج وضرورة إقامة الرباطات وحبس الأوقاف للإنفاق منها في سبيل راحة الحجاج، ولذلك نجد أوقافا خاصة بالمغاربة على امتداد طريق الحج في مصر وفي مكة والمدينة وفي القدس الشريف، وكل ذلك يعكس اهتماما خاصا للمغاربة بالديار المقدس
على الرغم من ارتباط الرحلة إلى الحج عند المغاربة بالركن الخامس من أركان، وارتباطها أيضا بطلب العلم، إلا أن هذه الرحلات كانت وسيلة مثلى لمعرفة الآخر ولاكتشاف الثقافات وحوار الحضارات، لأن رحلات المغاربة كانت تبدأ بالحج، أي التوجه نحو المشرق، ولكنها سرعان ما تتحول إلى رحلة في كل الأقطار المختلفة شرقا وغربا لنقل رسالة الإسلام في التعايش والتواصل والتسامح.